الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية وفاة بوعلي الطبابي أحد محرّكي انتفاضة الحوض المنجمي 2008

نشر في  02 أوت 2015  (11:42)

نعى حزب العمال بوعلي الطبابي الذي غادرنا يوم الثلاثاء 28 جويلية الجاري وهو لا يزال في عز عطاءه. خلّف رحيله المباغت لوعة كبيرة لدى عائلته ورفاقه وأصدقائه وأهالي مدينة الرديف لما عرف به من طيبة وصدق وعطاء خدمة لقضايا الجهة وتونس عموما، وقد كانوا حاضرين بأعداد غفيرة لتوديعه الوداع الأخير.

لقد كان بوعلي أحد محرّكي انتفاضة الحوض المنجمي في 2008 وساهم في تطويرها بشكل فعال، كما لعب دورا هاما في كسر الطوق الاعلامي المضروب حولها عبر نشرات البديل الالكتروني ("البديل عاجل") آنذاك، وكان يصدر كتاباته تحت إمضاء "نجمة سعيد". تحية لذكراه أصدر موقع البديل عددا خاصا يتضمن أحد نصوص الفقيد في تلك الفترة.

لمحة من حياة ثوري عنيد
بقلم عمار عمروسية

في شتاء (فيفري) 1968، ولد "بوعلي الطبابي" ضمن أسرة كبيرة العدد، قاسم إخوته ضنك العيش وقسوة الخصاصة والحرمان الذي لازمه طوال حياته.

زاول تعليمه الابتدائي بمدرسة "النجاح" وانتقل إلى "الاعدادية الأوروبية" ببلدة "الرديف" حيث أجبره العوز على مغادرة مقاعد الدراسة بالرغم من تفوقه وذكاءه الحادّ.

لم يقبل "بوعلي" ذلك الانقطاع الاضطراري فوجد ضالته في "بغداد" الفقراء والمعوزين ،إذ انتقل في عام 1994 هناك وباشر دراسته بالمرحلة الثانوية التي توجها بالحصول على شهادة الباكالوريا وفيما بعد على الإجازة في الحقوق والعلوم السياسية.

قضى "بوعلي" 10 سنوات كاملة دون العودة ولو مرّة واحدة لأرض الوطن ودفئ العائلة.

كانت 10 سنوات من تصليب قناعات يدور جلّها حول الحلم بالثورة والعدالة الاجتماعيّة والقضاء على الاستبداد السياسي.

كانت سنوات بناء الذات على أسس صلبة، كيف لا ؟ والثوري الأممي يحاصره الفقر في بلاد يحكمها "حزب البعث" الذي يغدق المنح والأموال فقط على القابلين بالانخراط في صفوفه.

إمتهن "بوعلي" حرفا عديدة للإنفاق على دراسته ورفض كل أنواع الارتزاق والتزلّف. كافح الخصاصة طفلا وكافحها شابا ورفض كل أنواع المساومة.

عاد في عام 2004 بعشق لا حدود له للحرّية وبعزيمة لا تلين للإنتصار لقضايا الفقراء والمعدومين.

عاد الى بلدة المعدمين "الرديف" بقلب يسع كل هموم أهله وشعبه فسرعان ما اندفع الى ساحات النضال الاجتماعي مع رفاقه وأصدقاءه المعطلين من أصحاب الشهائد العليا.

خاض سنوات 2005 و2006 أول نضالات المعطلين بـ"الرديف" ومدينة قفصة من معاناة الاعتصامات وألم الامعاء الخاوية. إقتلع في أواخر 2006 وظيفة بسلك التعليم العالي.

تلك الوظيفة التي اعتبرها طوال سنوات شغله إهانة جديدة لسلسلة الإهانات الطويلة التي لحقته بما أن راتبه لم يتجاوز حتى أيامه الأخيرة ما كان يتقاضاه بعض زملاءه ممّن لم ينهوا تعليمهم الثانوي.

بمجرّد عودته من "العراق" التحق "بوعلي" بصفوف "حزب العمال" وتحمّل سنوات الصعاب والشدائد أعباء النضال السرّي.

نقل المنشورات السريّة لحزب العمال إلى رفاقه ببلدته حتى في أحلك الظروف وأشدّ أشكال المراقبة البوليسيّة.

واضب على أداء كل مهماته بتواضع الثوريين الكبار، نظّم الجلسات الحزبيّة وأسهم من مواقع متقدمة في توسيع القاعدة الجماهريّة لحزب العمال ببلدته.

انخرط دون حسابات في انتفاضة الحوض المنجمي الباسلة وكان طوال أشهر الانتفاضة عاملا دون كلل لتطوير الحراك الإجتماعي، كان حلقة الوصل الأساسي بين "الرديّف" المحاصرة ومدينة قفصة وكامل تونس.

كان واحدا من العاملين بهدوء وصمت لكسر الحصار الإعلامي المضروب على تلك الانتفاضة إذ أسهم بطرق عدّة (كتابة أدبيّة، إعلام...) في منشورات البديل الإلكتروني دون كلل، عمل من أجل الثورة وأسهم مرّة أخرى دون ضجيج في ثورة الحريّة والكرامة.

تألق "بوعلي" كعادته أينما حلّ في العمل النقابي وسرعان ما أضحى عضوا بالنقابة الجهويّة وأصبح محل ثقة زملائه وزميلاته.

فعلتها.. ومتّ
بقلم عفاف بالناصر

أيهيلون التراب عليك ‼ أيفعلونها بلا خجل ‼ والأرض لم تزدن بعد ولم ترتدي حلّتها لتأخذك بين أحضانها عريسا يزفّ إلى عروس.

ألا يستحون يهيلون عليك التراب، وتتمدد في سريرك (الأرض) أو عش سنونوة أو غصن سوسنة تمدّ ذراعيها أو زورقا يفتح شراعه مرفرفا لوداع الأحبة..

مازال جنين في أحشاءك لم يولد، أفلا تنتظر ساعة الحسم، مازال في موقدك حطب، وفي فنجانك قهوة، وفي سيجارتك نفس يريد التمدّد نحو سماء صمّاء عارية بلا غيم ولا جواب.

العمر عمر برعم ضيّعته الأماني والأغاني، والماضي ممدّد فيك وواقف كالنهر في جسدك الذي ارتخى فجأة، لا نعلم من الذبول أم من الحنان أم من رقصة مسليّة إيقاعها شجن للعابرين نحو عالم مشغول يوزّع طرود موتات معادة و يخطئ كثيرا في العناوين.

سيعدّون أنفسهم وسيشرعون في البكاء عليك يا أبو علي بعد قليل، سوف يحملونك ويكبّرون. أمّا أنت فستشرع في الهزء منهم والتحمّم في ضوء موسيقى الخلود... وبعيدا سترحل... تترك في العيون زجاجا يابسا و أنا سأمشي وراءك قليلا فتسند قامتي إذا ما تهاوت كما كنت دوما تدقّ بابي الخلفي حين كنت مطاردا، تأتي بلا موعد لتطمئن أني لازلت واقفة و تقول لي "إذا تعبت أو تأخرت ضاع منك الوطن" وتمضي..

سيل من عسل كلماتك في قلبي ينهمر، وأنا متردّدة تقودني ليقين قناعتك بأن العالم ليس ضدّ البداية وليس ضدّ الولادة وقابل للإنفجار.

لقد آمنت بالإنفجار وأعددت له وكتبت كثيرا، واشتغلت بلا كلل سنوات العسف، سنوات مملكة الدماء والسلاسل، سهرت طويلا وبكيت لأجل التعساء والبؤساء والجياع والمعطلين، ولعنت كثيرا الظلم والظلاّم ولم تقنط، آمنت بالخلاص وبإطلالة شمس وكنت تقول "مساء صغير ويمضي".

وتمضي وتحمل الربيع في قلبك، لن ترى الربيع القادم يارفيق ولن ترى ابنك القادم كنبي صغير جارت عليه الحياة لأنه لن يرى ربيع عينيك..

عفاف بالناصر

قفصة، في 28 جويلية 2015

 

الرديف في آحـــــاد عشرة

*سيناريو صوري*

الفضاء الشعري: عدنان الحـاجي

المشهد الأول.

بلدة ممتدة لا تمسك حدودها العين،أشجار نصفها غارق في الأرض ونهاياتها السماء. أجسام عارية تتلوى، أشجانهم ملتهبة بالعويل، صارخة كالريح، مضرجة بدم قاني مشع. كأنها قصائد جامحة أو هي كذلك.سيقان ملتصقة بخيول نصفها غارق في أكوام الفسفاط المتهالكة والآخر يتهيأ للرحيل..حشود من البوليس الوطني تنحدر من وطن البوليس،قبلتها بلدة ممتدة لا تمسك حدودها العين..أرتال حافلات أحشاؤها خليط من الماء الساخن والهراوات الجميلة وكلاب هجينة تلعب الشطرنج على أرداف مستقيمة وملابس زرقاء في هيئة أجساد ترسم لوحة رعب لذيذة في قصور مرمرية شاحبة…

المشهد الثاني.

خلف الأشجار العالية وجوه معفرة بالفسفاط تريد معرفة السر..خيول جافلة تريد أن تخترق طنين الصمت..أبواق تزدهر بالحنين وبالذكرى.. نسوة ينتحبن مفترشات مواويلا صارخة ويتبادلن أساطير الأولين في الصمود..مقابر البلاد نائمة في سكون السكون المستدير فوق حرف الشين في المشهد..الأغاني تتروى في شرب قهوة الصباح عند باب مقهى الإتحاد الذي يتوسط مقابر البلاد(سيدي بنشتوان/سيدي عبد القادر/ سيدي الرديف/مقبرة الفرنسيس)..كائنات زاحفة وكائنات تكاد تطير وأخرى لها جذور في الغرب، ترسل بألحان جنائزية..أياد ممتدة في بلدة ممتدة لا تمسك حدودها العين، نحو شمس شتائية في الرديف..أقدام محفورة بالريح..رجال عراة يقرعون الأبواب والأجراس والأفراس.. يخطبون…فتيات محترقات بالفقر والقفر ناهدات الصدر على الإطلاق يتدحرج الماء على أجسادهن حذو أرجلهن المشققة بوليس وطني جائع..موائد في الطريق العام تضفي على فضاء بلدة ممتدة لا تمسك حدودها العين،مشهدية سحرية توحي بعد البحث والتمحيص أن لهذا البلد رجال ولهؤلاء الرجال نساء وللإثنين معا شباب عاطل عن العمل.. وللثلاثاء.. الأربعاء.. الخميس.. الجمعة.. السبت.. الأحد.. سلال يعبث في خوائها الفضاء وشباب معطّل عن العمل وخلف التنمية المستديمة وذكاء المشاعر والقبلة الإفتراضية والإهتمام المتزايد من لدنه بالشباب العاطل عن العمل وبالآليات العاطلة..عروض أزياء مخملية مشعّة بأُوبرالية مزدحمة…

المشهد الثالث.

جمع من العجلات المجنزرة يحصى ولا يعد،محملة بظلمة أولها ضفاف البلدة وآخرها في "باب بحر"، أقصد شارع الحبيب بورقيبة.. تقضم طرقات الجنوب المهترئة "لتوسيع بالها".. قال آخر: "قل بابها ولا تخجل" في انتظار المجزرة.. ضفاف البلدة ضيقة على غرباء لا يبتغون منها إلا تنفيذ الواجب الوطني المقدس..بقتل العصافير الصغيرة وتمزيق "عصابة المفسدين" وتعبئة زجاجات القصر بدماء الأناشيد المقاتلة.. لرسم لوحة للعهر و(أخرى للأعلان)، حتى ترتاح ضمائر الحاضر في حضرة الولائميين.. صناع القرار وجواب القرار…

المشهد الرابع.

العربات في اتجاه الأناشيد المشعة.. زبد أشداقها يعلمك كم هي لاهثة في هذا العراء المالح على بساط الفسفاط المتقيح الحالم.. المفاتيح مجلجلة في أياديهم الملوحة فوق مقهى الإتـحاد.. الصوت وحده يرسم ملامحا أخرى للمكان..ساعة الرمل تصب مكاييلها في أحضان فتية مخارج حروفهم معبدة بشعارات الثوّار في معلقات الصعاليك..في أحاديث الغفاري.. في تفاصيل ماركس..في مفردات غيفارا.. في مواويل الفلاحين في أمريكا اللاتينية.. في عمق وتأوهات الحيارى في صحراء الجزائر..في عرق أبائهم عمال المناجم في الجنوب المنقط بالفسفاط..في العناوين الكبرى(لنزلة السوافة وحومة السوق وحومة الطرابلسية وحي المغرب وحي العمال والحي الأوروبي)..تتحول هاماتهم إلى حلم أسطوري،نوره يمسك جبلا وغابة وبحرا وصحراء..النور يمتد على بلدة ممتدة لا تمسك حدودها العين،نحو المفاتيح المجلجلة أو جلجلة المفاتيح..خيوط الضوء ذات الترددات الواسعة والإمتدادات الشاسعة نحو المدى.. الأجساد تتماوج..الحناجر تتجاوب..العربات في اتجاه الأناشيد تقضم أضافرها في عصابية مقيتة..تنتظر المجزرة…

المشهد الخامس.

الهامات تجوب فضاءات البلدة التي لا تمسك حدودها العين.. متقدة بمصابيح شعرية..المكان وجماليته المعهودة في تاريخ شتاءات الرديف..ورفوف تصطف عليها فناجين القهوة و منشورات الرحلة ومواقد تشبه مراكب ملأى بالذهب الأحمر..القلعة مزدحمة بكرنفال على مشارفه يسود الصمت وصرير أضراس البوليس الوطني في عصابية قميئة ،في انتظار المجزرة..

العصافير تعلن النفير العام والشعر العام نكاية في النظام العام..الأعناق متصلبة خارج القلعة.. برك لا يتماوج فيها الماء..عربات مفخخة وحشود ناسفة تتعقب مفاتيح السر التي تجوب دروب البلدة.. الهامات وبضوئها الروحي تنشد نشيد الإنشاد مرة أخرى ،صلاة على المتعبين و تسيج الأمهات في صمت مقهى الإتحاد بالماء والصبايا ناهدات الصدر على الإطلاق يرمقن عنادلهن في انتظار الزفة والبارود…

المشهد السادس.

في أجواء صوفية، أرواح ترتل داخل الفضاء العمومي والمحل العمومي والمسجد العمومي رحلة الصيف والشتاء في هذه الأرض..تستذكر أبطالها ودماءها وتحتسي قهوة الصباح في أجواء غرائبية..الأجساد بارزة..لا صوت غير صوت البلاد ولا صوت يعلو فوق صوت (العباد) في نشيد الإنشاد…

المشهد السابع.

بلدة فسفاطية لا تمسك حدودها العين .من الأرض أعمدة شفافة تنهض سبات الأتربة لتعانق في أريحية ،أغان ويافطات وخطابات وعرائض وبرقيات وشعارات..لا أثر للضباب بعدم الرؤيا على سائقي الليل الدائم وفي جمهورية الغد اللامستديمة..كان ذهبيا لونها وهي تتبرج بسيقانها البضة أمام مقهى الإتحاد قال آخر:"قل قرمزيا لونها ولا تبخل على رواد الحانة الوحيدة بما تيسر من بيرة الليل المنعشة".. في جلالة الأرض.. في هيبة الثوار.. الجماهير تغني وتعزف لحنا منجميا على إيقاع زوربويا غاية في التمثل.

المشهد الثامن.

ليكن (خبز/تلامذة/كرامة/نظام/وحدة/طلبة/الإتحاد/لازم/المسيرة/الثبات/الفقير/حرية/عمال/جبان/وحدة/وطنية/حق/لايهان/ضد القمع/مستمرة/مستقل/البطال/القواعد/الحكومة/هي الكل/على برة/الثبات/صامدين/ضد عصابة/صامدين/يافرحات/المافيات/في الإتحاد/شوف شوف/ولقواطين/يا شباب/والإرهاب)

أجل أيتها العصافير ستنهضين هذه الأرض ولا تنفضي غبارها… أجـل.. أنّ المنشور أوحـى لها.. أجــل أن تشحـن صغارها.. بالصمود و بالصمـود لا جوّالها. أجـل أيتها الأرض أجــل.. أجـل أيّتها الجبال أجـل.. أيّتها الصبايا ناهدات الصدر على الإطلاق وينابيع زمـرة أجـل.. أجــل أيتها الشّوارع والحارات القديمة أجــل أجــل أيها اللاّهثون في عتمة الظهيرة يامتاريس أجـل أجـل.. أجـل أيتها الحانات والسّقائف أجــل أجــل أجــل ياصخـور( بليجو والسّطحة الزّرقاء والبرطال) أجــل أجــل أجــل أيتها المغناج إن لامـس فيك شهوته الجامحة رسمت الحبل السرّي للفلسفة ومخبأ شفتيه اللاهثتين في شتاءات الوله عمق السرّة سنوات البحث حيث تصنعين الدهشة وتؤثّثين الأنوثة بالحوار وبنور شفّاف كالثورة وتحوّلينه إلى صوت وضوء وقبضة مالحة حالمة…

المشهد التاسع.

الأرواح تتناقل الأخبار عبر المواقع الألكترونية معلنة النفير الكوني في فضاءات لا نعرف سرّها .. الفتاة ناهدة الصدر على الإطلاق مغنّية الأوبرا ترشد التائهين والعاطلين والفارّين من القبلة الرقمية والزواج الإفتراضي وذكاء المشاعر للدروب السرّية والشعارات السرّية والمنشورات السرّية والخطابات السرّية واليافطات السرّية والمظاهرات السرّية في مقهى الاتحاد بالرديف الذي يسكنه نادل ديمقراطي حسب تعبير عميلنا السرّي رائد هذا المقهى منذ إلتقينا ذات مساء في قطار بعيد .. سيفرح بك النادل بسرّية مطلقة ويقدّم لك شيئا تشربه ويمضي في غنائه السرّي…

المشهد العاشر.

تكبُر الرحلة ليكبُر السؤال في هذه البلدة التي لاتمسك حدودها العين…

نجـمة سعـيد

الرديف في 13 مارس 2008